أرشيف الأوسمة: عربة الترحيلات

الصمت… أو لماذا نكتب؟

دوافع ممارسة حماقة الكتابة كانت دائما محل سؤال. وممن حاولوا الإجابة عنه، جورج أورويل، صاحب رواية 1984، التى اشتهرت فى مصر بعد أن تم تحريزها ضمن مضبوطات أخرى وجدت مع طالب، أثار ريبة أجهزة الأمن بوجوده، للغرابة، فى محيط الجامعة التى يدرس بها. قال أورويل «أنا أكتب لأن هناك كذبة ما أريد فضحها، حقيقة ما أريد أن ألقى الضوء عليها».

فضح الأكاذيب وإظهار الحقائق هو إذن دافع مشروع للكتابة. وهنا تأتى إشكاليتنا المصرية. فالسؤال الذى نطرحه هنا لم يعد «لماذا نكتب»، وإنما أصبح «لماذا نظل نكتب؟»

الكتابة فعل أحمق بما يكفى، إذا اجتنب الكاتب الممالأة والنفاق، وابتعد عن استغلال قلمه لتحقيق المنافع. لكن الاستمرار فيها يصبح ضربا من العبث عندما لا يبدو أنها تحقق مردودا ما، بل وتتسبب فى خسائر على المستوى الشخصى والاجتماعى. وربما كان هذا ما دفع كتابا مثل علاء الأسوانى وعز الدين شكرى فشير فى العام الماضى للتوقف، ودفع آخرين لأخذ استراحة التقطوا فيها أنفاسهم ثم عادوا. وهو ما حدث مع بلال فضل والدكتور أحمد عبدربه.

شهد عام 2014 حماسا محموما، لحث الإعلام على حشد الجماهير، والاصطفاف خلف الدولة فى مواجهتها مع جماعات العنف. ولكن، من هم الذين يهددون صلابة الجبهة الداخلية والاصطفاف الوطنى إن لم يكنوا المسئولين الذين يتجاهلون الرد على كشف الحقائق وفضح الأكاذيب؟.. المسئولين الذين يتجاهلون مسئوليتهم أمام الرأى العام ويتعاملون مع الفضائح بالصمت.

فى عام 2014 كتبت الصحف بوتيرة متزايدة، عن تجاوزات بعض أفراد الشرطة فى حق المواطنين، وعن حالات تعذيب، واعتقال عشوائى. واختتمت السنة بتقارير عن ارتفاع حاد فى أعداد الوفيات أثناء الاحتجاز داخل أقسام الشرطة. اقترب العدد من المئة، ولم نسمع أن إجراء قد اتخذ. ضرب البعض الاصطفاف الوطنى، بممارساتهم المدانة محليا ودوليا. ولم نحصل من المسئولين إلا على.. صمت.

قبل نهاية العام كتب كثيرون مذكرين بالوعد الخاص بجهاز علاج الإيدز لصاحبه ومؤلفه اللواء فنى معمل إبراهيم عبدالعاطى. انطلقت على مواقع التواصل الجماهيرى هاشتاجات تذكير بفضيحة «كفته جيت»، على وزن «ووترجيت» التى أطاحت بالرئيس الأمريكى الأسبق ريتشارد نيكسون.

ولأن مجتمعنا يتمتع بخصوصية تميزه عن غيره، لا تطيح فضائحنا سوى بمن سلطوا الضوء عليها، وهو ما بدا واضحا فيما حدث مع باسم يوسف. ولا نعلم حتى الآن أين ذهب صانع الكفتة الذى خدع رءوس الدولة، وباعنا الوهم، وحصل على رتبة من أعلى رتب القوات المسلحة لقاء عملية نصب مخجلة. انتظرنا تصريحا يطمئن المحتشدين فى اصطفاف وطنى نادر خلف الدولة، ويزف لهم نبأ تحقيق أو محاسبة، ولم نحصل سوى على رد معتاد.. صمت.

فى نهاية العام تسربت تسجيلات صوتية لمسئولين، تقتضى تحقيقا وربما مساءلة، عن كيفية التعامل مع جريمة قتل «حاجة وثلاثين» شخصا داخل عربة تابعة لوزارة الداخلية. بخلاف حصول هذه التسريبات على وصف «مزعومة»، لم نسمع عن مساءلة أو تحقيق، أو بيان، أو إيضاح. رد الفعل، كالمعتاد، صمت.

عزيزى القارئ: كتبنا فى 2014، وسنظل نكتب فى 2015. ولو سألتنى لماذا نظل نمارس حماقة الكتابة فربما لا أجد سوى إجابة واحدة.. صمت.

المقال في صحيفة الشروق bit.ly/elsamt
مقالات صحيفة الشروق كل أحد: bit.ly/shsok
مقالات صحيفة المصري اليوم كل أربعاء: bit.ly/masrysok