سؤال اللئيم.. لشبشب تميم | المصري اليوم

سؤال اللئيم.. لشبشب تميم | المصري اليوم.
نشر موقع روزاليوسف خبراً من سطرين، كتبه صحفيان فى الموقع، يقول إن شبشب أمير قطر تميم آل ثانى أثار استياء الحاضرين فى مؤتمر شرم الشيخ.

لا علم لدى بدهاليز الإعلام المصرى ولا السبب الذى حتم أن يتعاون صحفيان اثنان على كتابة خبر طوله سطران. هناك بالطبع احتمال أن يكون لأحدهما فضل الوصول إلى «السبق» وأن الآخر صاحب معلومة وجود القمة العربية فى شرم الشيخ.

أستريح لهذا الافتراض أكثر من فكرة أن تقسيم العمل حتمه طول الخبر. أى أن يكون كل محرر تولى مسؤولية سطر واحد من السطرين. هذا الافتراض يتنافى مع المنطق، ويتطلب بالضرورة أن يظهر على الخبر اسم محرر ثالث للعنوان وهو ما لم يحدث. أضف إلى هذا أننى فحصت عدداً من مقالات الموقع ولم أجد خبراً يتماثل عدد محرريه مع عدد سطوره، وهو ما يعنى أن التماثل فى هذه الحالة كان مصادفة بحتة.

من المحتمل أيضا أن تعاون اثنين من المحررين فى كتابة الخبر سببه وجود فردتين للشبشب بما يقتضى تخصيص محرر لكل فردة. بحكم الخبرة لا أنصح بتقسيم بهذا الشكل، لأنه من غير المحتمل أن تتصرف فردتا نفس الشبشب بشكل مستقل يستوجب تغطية لكل منهما. إلا أن السبب الأهم لرفضى هو أن هناك احتمالاً، ولو أنه نظرى بعض الشىء، لأن يظهر لدينا فى المستقبل مسؤولون بشباشب لها أكثر من فردتين: شمال ويمين ووسط مثلا، أو فردتين شمال وفردتين يمين، ولو اعتمدت الصحف محررين بعدد الفرد سترتفع تكلفة التغطية فى المستقبل بشكل غير اقصادى.

أفضل أن يعمل المحررون فى مثل هذه الحالات بشكل يفيد التغطية ويخدم القارئ. ومع اعترافى بأننا فى عصر السرعة والخبر القصير، إلا أن أمراً فى أهمية شبشب أمير قطر يحتاج أكثر من سطرين. ربما نحتاج أربعة أو خمسة سطور، لاستيفاء جوانب الموضوع. مازلنا لا نعلم ماذا فعل شبشب أمير قطر ليثير استياء الحاضرين فى المؤتمر. هل صدر عنه تصريح ما؟ هل تصرف بشكل ينافى البروتوكول؟ كيف تعامل الحاضرون مع الشبشب؟ هل عاتبه أحد؟ ماذا كان رد فعل أمير قطر على تصرف شبشبه؟ هل لامه؟ هل قرر التعتيم على الأمر؟ هل تم سحب الشبشب واستبداله بشبشب آخر أكثر دبلوماسية؟

لابد أيضا من معرفة ردود الأفعال، ليس فقط من الوفود وكبار الشخصيات، بل نحتاج رد فعل رجل الشارع لنعرف كيف يرى المواطن البسيط شبشب أمير قطر.

الخبر ليس علامة فريدة أو نادرة فى الأداء الإعلامى الحالى فى مصر، وهناك عدد غير قليل من الصحف والمواقع تناولت الموضوع. ومع هذا الخبر وغيره ربما يتعين علينا أن نعيد التفكير فى الإعلام ووظيفته ودوره فى المجتمع، وهل هناك بالفعل إمكانية للاستمرار على هذا المنوال؟

سؤال تتعين إضافته لما سبق، لطرحه فى لقاء يجريه أحد المحررين مع الشبشب، ولو تعذر الأمر، مع أى من فردتيه.

bom Egypt Satire Bassem Youssef

Egyptian Satire After Bassem Youssef

Egyptian writer and political satirist Hosam El @Sokkari  writes about the government decision to reward citizens who support the anti-terrorism efforts. A Free annual travel card will be given to anyone reporting a bombs or a “positive” suspicious object. Sokkari, the former head of BBC Arabic writes a weekly satirical column in both Al Shourouk and Al Masry Al Youm Newspapers.
Satire is becoming a rare writing genre in Egypt after the well known satirist Bassem Youssef had been forced to self-excile to the US.
————
FOR WE MUST DIE TOGETHER

By Hosam El @Sokkari

Hello.. Good evening Mr Mohamed.. This is the emergency travel card registration centre in the ministry of transport.. I am calling regarding your voice message.. yes the one about the bomb.. Speak louder please.. The line is not very clear.. Yes Sir.. It is true.. the minister promised a free annual travel card for use on all metro, bus and train routs for anyone reporting a bombs or a suspicious object.. No.. It does not take long to issue the travel card.. After the call we will send you an explosives expert. Following that, you take the serial number that I will give you over the phone and two picture to the nearest metro station. The card will be issued in less than five minutes.. No.. you do not need to provide an ID Mr Mohamed.. Most callers have no ID anyways. The minister waived that requirement as a gesture of gratitude for patriotic citizens.. Give me a second to get your serial number Mr Mohammed pls..

Hey, Ibrahim.. what is the last number on the list.. ok..
Are you with me Mr Mohamed.. your number is 4389873.. Yes Sir.. All those people are before you on the list.. Patriotic citizens have been very cooperative and reported a phenomenal number of bombs.. No Sir… We are committed to the minister’s promise.. Every single citizen will get a free card.. No sir.. this is an annual card.. A full year.. Not six or three months… If it were for us, we would have liked to offer if for life..

Sorry.. I can not hear you Mr Mohamed.. Two bombs?.. of course.. The merrier the better.. Oh no.. you can not have a biannual card.. Not for two years no.. The maximum length we have for a card is one year.. You can register the second bomb on your wife’s name though.. Oh!!.. You are single?!.. OK.. How about your brother?.. Stole your inheritance?!.. This is sad.. Really sorry to hear that.. The best solution in your case is to keep the second bomb for now then register it in a year’s time.. Yes.. Just few days before the card of the first bomb expires.. Yes.. It is a rolling offer.. I am sure it will still be there when you come back to register.. Not at all Sir.. Great you called us.. At your service.. This is our country and we Egyptians are brothers.. No.. Two bombs are quiet in order.. Nothing unusual..  Most citizens discover more than one.. Some patriotic individuals report the bomb even before they find it… There is a great deal of enthusiasm about the idea.. No.. before taking the card we need to make sure the suspicious object is positive.. The minister’s promise is clear.. It has to be positive…

Can I have your name Mr Mohamed?.. yes.. I know it is Mohamed… I mean your full name, your fist name is not enough.. We can not do that no.. We can’t give you the card first and come back when you are sure about your name.. OK.. So.. the name is Mohamed Sayyed Saber Hammad.. Address?.. 23 Mashrou Street.. Matareyya.. Cairo..
Yes.. we are almost done.. We just need to complete the form… First.. what is the bomb location?.. The kitchen?!!.. You discovered it in your kitchen?.. Oh I see.. You discovered it in front of the house and took it to the kitchen.. Can you describe the bomb pls.. Oh.. How strange!!.. Because it is almost the same description for all bombs found so far: two liquid soap plastic bottles, joined by sellotape with a battery, a clock and few colored wires… Yes I know it is a homemade bomb.. Are you sure it is a bomb.. No, no, this is a routine question to complete the form.. A real bomb!.. Are you holding it?.. Can you locate the clock on the side?.. Great!.. Are the wires properly connected?.. You need to check it?.. OK.. Be careful though.. Don’t pull anything.. .And, by the way, don’t touch the red wire.. I am saying not the red.. oh.. What a sound!!.. Oh, wow.. Hello.. Oh My God.. Hello.. Hello..

Hello…

….
Ibrahim.. You can remove 4389873 from the list..
Yes..
Another a positive report..
How many recorded messages do we have left?

@sokkari
hosam@sokkari.net
The articles in Arabic
bit.ly/shsok
bit.ly/masrysok

كولومبو يكشف قتلة فتاة الورد في فساكونيا

وصل كولومبو فى عربته المتهالكة إلى ميدان مدينة فساكونيا الكبير. كان العمدة واقفا لاستقباله إلى جوار كبير القضاة والمأمور. مال الأخير على أذن العمدة وهمس: «لا أفهم السبب فى دعوة غريب للتدخل. ما يحدث فى فساكونيا يبقى فى فساكونيا».
توتر العمدة واهتزت الأوسمة على صدره، ثم مسح أصابعه بشكل لاإرادى فى الوشاح الأخضر الذى يرتديه عند استقبال الضيوف وهتف: «كف عن هذا الهراء. كولومبو محقق شهير وسيخرس الألسنة التى تقول إن رجالك ارتكبوا الجريمة. كبير القضاة يفهم هذا جيدا». رفع كبير القضاة جفناً أشبه بلغد طفل صغير وقال: «العمدة دائما على حق».
تقدم شيخ البلد نحو كولومبو وسحبه من كم معطفه المجعد: «انتظرناك طويلا». رد كولومبو: «معذرة، أوقفتنى عصابة عند مدخل فساكونيا. هل بسببها استدعيتنى؟». هتف العمدة  بحماس: «لا وقت لدينا للعصابات. فساكونيا فى خطر».
تقدم الجمع الصغير إلى قلب الميدان.
هتف العمدة وهو يشير إلى جثة فتاة على الأرض وغمغم: «مأساة». انتثر دم الفتاة القتيلة على باقة ورود كانت تحملها، وسال ليغطى أطراف ورقة تشبثت بها. سحب كولومبو الورقة وقرأ: «أنا جائعة».
كرر المأمور: «فعلاً مأساة. معلوماتنا تؤكد أن المخربين يستهدفون الأطفال».
سأل كولومبو: «هل يوجد شهود؟». أجاب المأمور: «لا. رغم أن الميدان كان مزدحما، وكانت فيه كتيبة قوامها ستون جنديا من رجالنا».
سأل كولومبو: «وماذا كانت تفعل الكتيبة؟». أجاب المأمور: «حذرنا بائعة الورد الصغيرة من الجوع مرارا، لكنها كانت عنيدة. طلبنا منها أن تجوع فى صمت لكنها أصرت على رفع لافتتها فى قلب الميدان. لو فعل هذا كل الجوعى سينفد الورق والأحبار ولن نتمكن من طباعة الصحف التى يحتاجها الناس. كان لابد من الاشتباك».
كولومبو: «مع من؟».
المأمور: «لا ندرى على وجه التحديد، ولكن المأمور أكد أن الاشتباك ضرورة أمنية، وأمر رجاله الشجعان بإطلاق النار».
كولومبو: «فى اتجاه الفتاة؟».

>>> حل اللغز على المصري اليوم www.bit.ly/fasakonia

الصمت… أو لماذا نكتب؟

دوافع ممارسة حماقة الكتابة كانت دائما محل سؤال. وممن حاولوا الإجابة عنه، جورج أورويل، صاحب رواية 1984، التى اشتهرت فى مصر بعد أن تم تحريزها ضمن مضبوطات أخرى وجدت مع طالب، أثار ريبة أجهزة الأمن بوجوده، للغرابة، فى محيط الجامعة التى يدرس بها. قال أورويل «أنا أكتب لأن هناك كذبة ما أريد فضحها، حقيقة ما أريد أن ألقى الضوء عليها».

فضح الأكاذيب وإظهار الحقائق هو إذن دافع مشروع للكتابة. وهنا تأتى إشكاليتنا المصرية. فالسؤال الذى نطرحه هنا لم يعد «لماذا نكتب»، وإنما أصبح «لماذا نظل نكتب؟»

الكتابة فعل أحمق بما يكفى، إذا اجتنب الكاتب الممالأة والنفاق، وابتعد عن استغلال قلمه لتحقيق المنافع. لكن الاستمرار فيها يصبح ضربا من العبث عندما لا يبدو أنها تحقق مردودا ما، بل وتتسبب فى خسائر على المستوى الشخصى والاجتماعى. وربما كان هذا ما دفع كتابا مثل علاء الأسوانى وعز الدين شكرى فشير فى العام الماضى للتوقف، ودفع آخرين لأخذ استراحة التقطوا فيها أنفاسهم ثم عادوا. وهو ما حدث مع بلال فضل والدكتور أحمد عبدربه.

شهد عام 2014 حماسا محموما، لحث الإعلام على حشد الجماهير، والاصطفاف خلف الدولة فى مواجهتها مع جماعات العنف. ولكن، من هم الذين يهددون صلابة الجبهة الداخلية والاصطفاف الوطنى إن لم يكنوا المسئولين الذين يتجاهلون الرد على كشف الحقائق وفضح الأكاذيب؟.. المسئولين الذين يتجاهلون مسئوليتهم أمام الرأى العام ويتعاملون مع الفضائح بالصمت.

فى عام 2014 كتبت الصحف بوتيرة متزايدة، عن تجاوزات بعض أفراد الشرطة فى حق المواطنين، وعن حالات تعذيب، واعتقال عشوائى. واختتمت السنة بتقارير عن ارتفاع حاد فى أعداد الوفيات أثناء الاحتجاز داخل أقسام الشرطة. اقترب العدد من المئة، ولم نسمع أن إجراء قد اتخذ. ضرب البعض الاصطفاف الوطنى، بممارساتهم المدانة محليا ودوليا. ولم نحصل من المسئولين إلا على.. صمت.

قبل نهاية العام كتب كثيرون مذكرين بالوعد الخاص بجهاز علاج الإيدز لصاحبه ومؤلفه اللواء فنى معمل إبراهيم عبدالعاطى. انطلقت على مواقع التواصل الجماهيرى هاشتاجات تذكير بفضيحة «كفته جيت»، على وزن «ووترجيت» التى أطاحت بالرئيس الأمريكى الأسبق ريتشارد نيكسون.

ولأن مجتمعنا يتمتع بخصوصية تميزه عن غيره، لا تطيح فضائحنا سوى بمن سلطوا الضوء عليها، وهو ما بدا واضحا فيما حدث مع باسم يوسف. ولا نعلم حتى الآن أين ذهب صانع الكفتة الذى خدع رءوس الدولة، وباعنا الوهم، وحصل على رتبة من أعلى رتب القوات المسلحة لقاء عملية نصب مخجلة. انتظرنا تصريحا يطمئن المحتشدين فى اصطفاف وطنى نادر خلف الدولة، ويزف لهم نبأ تحقيق أو محاسبة، ولم نحصل سوى على رد معتاد.. صمت.

فى نهاية العام تسربت تسجيلات صوتية لمسئولين، تقتضى تحقيقا وربما مساءلة، عن كيفية التعامل مع جريمة قتل «حاجة وثلاثين» شخصا داخل عربة تابعة لوزارة الداخلية. بخلاف حصول هذه التسريبات على وصف «مزعومة»، لم نسمع عن مساءلة أو تحقيق، أو بيان، أو إيضاح. رد الفعل، كالمعتاد، صمت.

عزيزى القارئ: كتبنا فى 2014، وسنظل نكتب فى 2015. ولو سألتنى لماذا نظل نمارس حماقة الكتابة فربما لا أجد سوى إجابة واحدة.. صمت.

المقال في صحيفة الشروق bit.ly/elsamt
مقالات صحيفة الشروق كل أحد: bit.ly/shsok
مقالات صحيفة المصري اليوم كل أربعاء: bit.ly/masrysok

Bird

من أوراق رجل يحب الوصف جدا

كان يحوم في الجو بخفة بديعة وكأنما هو نسر محلق يخترق الغيوم والحجب مع أول تباشير الفجر كما لو كان يستحم في ركام السحب الداكنة. أخذت أرقبه، ذلك الغراب الفتي بريشه الأسود اللامع، بينما كان الاتوبيس النهري يشق طريقه وسط النيل في جلبة واضحة، ضاربا صفحة الماء بمقدمه الحاد، ناثرا حوله مويجات صغيرة ترتد على جانبي المركبة محدثة صوت ارتطامة خفيفة، ينتثر على إثرها رذاذ دقيق تجليه رياح الصباح الباردة، تندي به وجوه الركاب المتجهين لأعمالهم في هذه الساعة من النهار.
بخلاف ضجيج المحرك، كانت العربة ساكنة تمام السكون ولم يكن في جملة ركابها من يجذب النظر أو الاهتمام. فمن كهل متدثر بعباءة فضفاضة ، إلى عامل حليق. ومن موظف غاف بدين، إلى مثقف يجلس خلف عوينات زجاجية سميكة. كلهم إما غارق في تأملاته الخاصة، أو نائم، أو بين بين. باستثناء ذلك الطفل الصغير الذي أخذ يجذب جلباب أمه التي جلست وقد وضعت على فخذها طفلة أصغر سنا غطت رأسها بإيشارب من قماش أزرق رخيص.
كانت العودة إلى تأمل ذلك الغراب البديع، كما ترون، حلا أخيرا للخروج من ذلك الملل الرتيب. وبدا كما لو أنه قد أحس بذلك فصار يلجأ إلى تحويمات أكثر رشاقة عن ذي قبل، وهو يغيب في زرقة السماء الحديدية.
على الضفة المجاورة كانت ثمة أطياف لبيوت قابعة في السكينة شيدت من الظل والنور وقد نبت في وسطها بعض الأعمدة المتسامقة، شدت إلى بعضها بخيوط دقيقة صلبة أغفت فوقها العصافير.
كانت ضجة متنامية قد بدأت في النشوء عند أول العربة بلا مقدمات. وبدا أن مبعثها فيما يبدو خلاف نشب بين سائق المركبة وأحد الركاب.
من موقعي في نهاية العربة لم أكن أستطيع أن أسمع الكثير. ولكنني كنت أرى أحد الجالسين خلف السائق وقد انثنى إلى الأمام وصار يحرك يديه في إشارات استعطاف بينما كان السائق يصخب دون أن يلتفت إليه. وعندما كان الرجل يتوجه بالحديث إلى بقية الركاب سائلا أو شاكيا كانوا جميعا يتحاشون النظر إليه خشية أن تعثر عيناه عليهم صدفة على عيونهم وحتى لا يصبحون طرفا في قضية لا ينبغي لأحد أن يكون طرفا فيها باستثناء ذلك الكهل الذي كان يحدق تجاههما بعينين واهنتين محاولا، على الأغلب، أن يتبين من أيهما يصدر الصوت.

بدا واضحا للجميع، خاصة أولئك الذين كانوا يجلسون في الصفوف الأمامية أن الأمر هو خلاف عابر تقتضيه طبيعة الأمور، فصرفوا أنظارهم عنه، بينما كان الجالسون في المؤخرة يرفعون رؤوسهم بين الفينة والفينة ليسجلوا تطور الأحداث. إلا أنا، فقد عدت أتأمله من جديد وقد فرد جناحيه السوداوين علي امتدادهما ثم مال بحدة هابطا من عليائه في سرعة خاطفة، منقضا على زجاج النافذة القريب، ومستديرا في آخر لحظة إلى حيث يعاود صعوده مرتقيا بجناحية درجات خفية، مواصلا سموه العجيب. والحق أن الرشاقة التي أدى بها انقضاضته الأخيرة تلك، جعلتني أشك فيما أذا كان، حقيقة، غرابا أم أنه كائن خرافي آخر هبط من السماء.
سادت لحظة صمت مريبة. فقد توقف المحرك عن العمل، وعندما أعيد تقييم الموقف كان السائق يقف في مواجهتنا نحن الركاب وقد احتقن وجهه وبدا واضحا أنه قد استنفذ مقدرته على الصبر فرفع شاربه الضخم المصبوغ في عناية، وأقسم من تحته بأيمانات مغلظة كثيرة، حالفا بشرفه وشرف آخرين،بدءا بآبائه وانتهاء بجدود كثيرين، مرورا بالعديد من أقاربه الشرفاء وإن لم يسمهم جميعا بأسمائهم.
كان ما حيرنا جميعا هو الهدف من هذه الأيمانات الكثيرة. ولم تدم حيرتنا طويلا. فقد أعلن السائق بوضوح عزمه أن يجعل الرجل يغادر العربة وفي هذه البقعة بالذات. بدأ الركاب يتململون في مقاعدهم منتظرين أن يهدأ السائق قليلا حتى يصبح في حال يسهل فيها التفاهم وإياه. كان الكهل قد ألقى رأسه إلى الخلف وقد استرخت ملامحه بعد أن اطمأن إلى أن مصدر الجلبة هو السائق الضخم، لأن الآخر لم يفتح فمه في الدقائق الأخيرة إلا بعد أن قفز الموظف البدين من مقعده وأخذ يهديء من ثائرة السائق ويطلب منه العفو للرجل الذي اراح في يأس مطبق يحاول إقناع الركاب بأنه محق أو على الأقل ليس بمخطيء. (تحدث كثيرا عن حق الراكب في أن يصل إلى المكان الذي دفع أجرة الذهاب إليه، وعن تغيير السائق لخط سيره وأشياء أخرى لا أجد من المناسب أن أفيض فيها). ولا أعتقد أن أحدا قد أعاره انتباهه لأكثر من لحظات معدودة.

انضم جمع بسيط من الركاب إلى الموظف البدين يؤازرونه في مسعاه، بينما علقت بهم عيون الركاب الباقين تنتظر النتيجة في أمل وترقب، وتلقي بين الحين والآخر نظرات اللوم والعتاب على الرجل الذي بدا في وقفته هذه وقد غطس رأسه بين كتفيه، وارتسمت علائم الهلع على وجهه المتغضن، بينما أخد فكه يرتجف تحت شاربه المنفوش. من حوله كانت تتعالي تعليقات الركاب تلومه على تهوره وتنصحه بالابتعاد عن ناظري السائق المهتاج.
كانوا جميعا يعتقدون أن صمت السائق إزاء إلحاحهم عليه إنما هو نوع من التمنع لن يلبث أن ينقلب إلى إذعان في شكل صفح. ولكن السائق بدد صمته بغتة وأقسم أنه لن يتراجع عن يمينه السابق، ولن يتحرك من مكانه حتى يغادر الرجل المركبة.
أسقط في يد الحاضرين. فالامر برمته يبدو خارجا عن نطاق المشاحنات العادية. والماء يحيط بالبركة من كل جانب والشاطيء الشاحب يشخص إليها عن بعد.
لذا ولأن الوقت بدأ يضغط على أعصاب الجميع، مهددا بتعطيل المصالح أو التأخير عن العمل، فقد وجه الحضور، بعد لحظة تردد، جهودهم في سبيل آخر.
دهبنا هناك في ركن العربة حيث أقعى الرجل، وبدا لنا أقصر كثيرا مما هو بالفعل. إضف إلى هذا أن شاربه كان مبتلا لسبب غير مفهوم.
عندما توجهنا إليه نهض. حدثه الرجل السمين والرجل المثقف كثيرا عن ضرورة التأني وعن الأسلوب الأمثل لوضع أفكاره واقتراحاته موضع المناقشة، وطلبا منه في النهاية أن يغادر العربية حسما للموقف بعد أن أسر له الرجل البدين بأنه على استعداد لأن يشهد معه بعد رحلة العودة إذا فكر في تقديم شكوى لهيئة المواصلات. فقط كان عليه حرصا على المصلحة العامة وحفاظا على وقتنا جميعا أن يغادر المركبة. بدا الرجل شاحبا ومبهوتا بينما اشترك البعض في إطلاق التعليقات المرحة تخفيفا لحدة الموقف التي صنعتها أيمانات السائق المغلظة.
“مازلت في شرخ الشباب”، “إنها فرصة لمزاولة رياضة ربما لم تمارسها من قبل”، “الجو صحو ولا خوف على رجل في صحتك منه”
وحتى لا يتأزم الموقف برفض الرجل، أخذنا ندفعه بمرح دفعات خفيفة نحو الباب بينما كان السائق يرمقنا بطرف عينه.
أبدى الرجل شيئا من عدم التعاون إلا أنه لم يفتح فمه سوى بكلمة واحدة مستغربة: ألله.. الله.. ألا لا لا .. وعندما أتمها كان على حافة السلم. ولم يحتج الأمر إلا إلى دفعة رفيقة سقط الرجل على إثرها في الماء. بعدها عاد الركاب إلى أماكنهم في نشاط يتبادلون الابتسام، بينما اتجه السائق في زهو نحو المقود.
في طريقي إلى مقعدي الخلفي كنت أرى الرجل وهو يحاول الطفو فوق سطح الماء وقد بدا واضحا أنه لا يعرف العوم. ومن المؤكد أن حركاته تلك أفزعت الأسماك. إذ أخذ يضرب صفحة الماء الساكن بيديه ورجليه دونما اتساق مخلفا حولة زوبعة من الأمواج، ناثرا الماء على وجوه الركاب الجالسين بجوار نوافذ هذا الجانب. (الحق أنني لم ألحظ هذا الأمر إلا عندما أدارت الصغيرة الجالسة على حجر أمها رأسها متشكية لأن الماء أصاب إحدى عينيها. ويعد أن جففتها حملت صغيرها الآخر وأجلسته بجوار أخته لأنه ظل في الدقائق الأخيرة يجذب ذيل جلبابها صارخا “إريد أن أرى الرجل من النافذة”.
بدا واضحا أن أسلوب الرجل المسرف في الارتباك لن ييسر له إلا مزيدا من الغوص تحت سطح الماء. وعندما نظرت خلفي لأتابعه بدا وكأنه قد كف عن المحاولة وقرر الاستسلام فبدأ ينسحب إلى القاع مخلفا مكانه يقعة من الفقاقيع تتأرجح يمنة ويسرة بفعل الأمواج المتخلفة من حركة المركبة. لم يلبث أن انقض عليها الطائر الأسطوري وخرج منها بسمكة فضية صغيرة أخذت تتلوى بين منقاريه. وعلى ذيلها التمع أول خيط من شعاع الشمس المشرقة.
بدأ الطائر يحلق عاليا نحو الشمس. تزايد شكي في أنه ليس غرابا. فقد لمحت ببطنه بقعة بيضاء. وربما لم يكن بالفعل طائرا أسود.
11 August 1983

إسلام يكن - أبو سلمة

من داعش للإعلام المصري.. مع الشكر والتحية

الظهور المباغت للشاب الداعشى إسلام يكن فى إعلامنا، منذ أيام، يعيد طرح سؤال معتاد حول دور الإعلام فى الحرب على جماعات العنف والتطرف. إسلام الذى أطلق على نفسه اسم أبوسلمة وترك عائلته فى القاهرة لينضم، بعد «التزامه»، إلى تنظيم الدولة الإسلامية، كان نجما تكرر ظهوره منذ ذاعت قصته وانتشرت صوره على شبكات التواصل الجماهيرى وهو يحمل سيفه أو يشير إلى بعض الرؤوس المقطوعة.

كتب الشاب تفاصيل تجربة «النفير» (الاستعداد أو الخروج للجهاد) ونشرها على شبكة الإنترنت. وفى غضون ساعات أصبحت قصة خروجه إلى سوريا، عبر تركيا، محل حفاوة واهتمام من أغلب الصحف ومواقع الإنترنت.

بالتأكيد ليس فى نية مسؤولى الصحف ووسائل الإعلام فى مصر أن يقدموا عمداً أى دعم لجماعات الإرهاب والتطرف، خاصة أنهم سبق أن أعلنوا تضامنهم واصطفافهم مع الدولة فى خندق الجهاد ضد جماعات العنف. وهو تضامن دعمه رؤساء تحرير الصحف فى شهر أكتوبر الماضى بوثيقة يؤكدون فيها مساندتهم للدولة فى حربها، عن طريق عدد من الآليات، من بينها الامتناع عن نشر بيانات الجماعات الإرهابية.

ويعتبر التعامل مع بيانات ومنشورات ومقاطع فيديو جماعات العنف المسلح من أكثر الجوانب حساسية فى العمل الصحفى والإعلامى. ويمكن القول إن هذه النقطة بالتحديد، وبسبب أهميتها، كانت دوما من الموضوعات الأساسية فى اختبارات المتقدمين للعمل فى مؤسسات مثل «بى. بى. سى». فالمؤسسات الإعلامية الكبرى كانت دوماً مستهدفة بشرائط الفيديو والكاسيت التى تحمل كلمات أو تصريحات لأسامة بن لادن أو أيمن الظواهرى.

التعامل بشكل مهنى مع مثل هذه الرسائل يقتضى الحذر فى اختيار ما يُعرض منها، بحيث يخدم حق الجمهور فى المعرفة دون أن يتم تجاوز ذلك إلى تضخيم ونشر رسائل جماعات العنف. وإن كانت هناك قيمة خبرية فى الإشارة إلى إعلان جماعة ما مسؤوليتها عن عمل من أعمال العنف، إلا أن الأمر لا ينبغى أن يتعدى ذلك إلى إذاعة تهديدات، أو نشر الذعر، أو الترويج للتطوع فى هذه الجماعات بشكل مباشر أو غير مباشر، أو ما حدث فى برنامج «90 دقيقة» عندما عرض مقطع فيديو عن التدريب البدنى فى الغابات، قدمه إسلام يكن، عبر شاشة المحور، لغيره من الجهاديين.

بعد ما حدث مؤخرا من نشر إسلام يكن تفاصيل خروجه وتداولها فى الصحف والمواقع، كتب فتى داعش تغريدة قال فيها إنه نصب كميناً للإعلام: «أقسم بالله وأنا بعمل شير امبارح لقصة النفير كان معايا أخ فقلت له بكره الصبح تلاقى حد من اليوم السابع خدها ونشرها وكإنه جاب الديب من ديله».

وبعدها بساعات كتب تغريدة أخرى تشى بوضوح بأن من يحاربون الإرهاب ربما يكونون أكبر داعميه «عايز الناس كلها تتكلم وتكتب وتنشر. ده مصلحة كبيرة للدولة (الإسلامية) بفضل الله». وقبل أن تغلق إدارة تويتر حسابه بأيام قليلة زفّ لقرائه خبر تحقيقه هدفا آخر بمساعدة الإعلام: «عايز إعلام الدجالين يستمر ويكتب. وبالمناسبة السعيدة دى فيه أخ الآن ترك ديار الكفر وفى طريقه إلى الدولة الإسلامية حالًا وكان بسببكم بفضل الله»، فيما أعلنت جماعات أخرى أنها على استعداد لاستقبال من عجزوا عن النفير إلى خارج البلاد.. داخل مصر.

رابط المقال: bit.ly/yaken 31 12 2014
حسام السكري في المصري اليوم كل أربعاء: bit.ly/masrysok
حسام السكري في الشروق كل أحد: bit.ly/shsok

sign language

تفاني وإخلاص

– والله مش عارفه اقولك إيه يا استاذ ماجد.. انا مش مصدقة اني باسمع من حضرتك الكلام ده
– يا أستاذه ناهد مجهودك وإخلاصك معانا عمل فرق كبير وخلى محطتنا مختلفة ومتميزة عن بقية محطات التليفزيون.
– متشكرة قوي.. انا فعلا هطير من الفرح
– انا بس كان لي استفسار عند حضرتك بخصوص الشغل وكده.
– اتفضل يا أستاذ ماجد. يا خبر.. هو انا في ديك الساعة لما رئيس المحطة بنفسه يبقى مهتم بشغلي! ده انا كان بيتهيألي اني باشتغل في الفراغ وما حدش مقدر ولا حاسس باللي انا باعمله.
– إزاي بقى؟! معقولة؟.. قولي لي بقى، بالنسبة للعرض العسكري اللي كنت بتساعدي في تغطيته. هل كنتى منتبهة إن تشكيلات الأسلحة والأفراد اللي بتطلع أعدادها بتختلف؟
– آه طبعا
– يعني المدرعات، وناقلات الجنود، ومجموعات هجوم الأفراد، والمشاة، وكل الوحدات بتختلف أعدادها كل مرة، وممكن مرة يبقوا عشرة، أو عشرين أو تلاتين.. أي رقم يعني؟ مش كده برضه؟
– طبعا طبعا..
– والطيارات نفس الحكاية. واخده بالك انها كانت بتعمل تشكيلات فيها خمس طيارات، أو ست طيارات، وساعات عشرة؟
– طبعا يا أستاذ، أمال إيه!!
– وبالتأكيد مش كل التشكيلات سواء طيارات أو غيرها كانوا أربعة بس.. مظبوط؟
– … أكيد..
– وبالنسبة لكلمة “العرض”، لما كانت بتيجي سيرة العرض العسكري، هل فيه سبب انها تبقى دايما بالصاد مش بالضاد؟
– بص حضرتك لغة الإشارة أصلها معقدة شوية، والصورة زي ما حضرتك عارف بتبقى صغيرة وفي ركن الشاشة. والصاد والضاد لما الواحد بيعبر عنهم بحركات الصوابع بيبقوا قريبين من بعض قوي. فكلمة العر.. العر.. العرض العسكري ممكن يتهيألك ان الإشارة بتاعتها بالصاد مش بالضاد، بالذات كمان انها بتحتاج ان الواحد يحرك الصباع الوسطاني، وانا عندي التهاب أعصاب بيخليني ماعرفش احركه كويس.
– معقولة؟ التهاب.. وما بتعرفيش تحركيه؟ دا انا كنت هسألك انتي ليه طول الوقت كنتي…
– والله زي ما بقول لحضرتك كده. بس لو سمحت لي يعني هو حضرتك بتتعلم لغة الإشارة؟
– لأ.. بس الولد ابن اختي عامل دراسات كتيرة في لغة الإشارة وهو بالصدفة بيزورنا اليومين دول. لما قلت له اننا بدأنا نستعين بخدمات حضرتك، قضى امبارح كله بيتفرج ولفت نظره حاجات كتيرة الحقيقة كتبتها في العشر ورقات دول علشان اسألك عليهم
– …
– …
– أسيبها لمين حضرتك؟
– سيبي الاستقالة لنادية وخدي منها الكيس اللي لمت فيه حاجتك. مع السلامة يا أستاذه ناهد..
ورينا عر.. عر.. عرض كتافك.

‪#‎sokkari_tales‬

كومباوند بيفرلي هيلز

بيفرلي هيلز.. حشيش وأماني طيبة

.. مكسوف ومحرج جدا.. ها تقولي ليه؟ اسمع الحكاية

اول أمس انتهى بي الحال إلى كومباوند (أي مجمع سكني) على أطراف القاهرة، اسمه بيفرلي هيلز (في إشارة إلى بيفرلي هيلز الأم في الولايات المتحدة).
المكان جميل ويسكن فيه أثرياء القاهرة، ومن بينهم أحد الأصدقاء.
انتهى بي الحال في مطعم يمكن القول إنه في مكان اكثر “رقيا” وغلاء، حتى من باقي أماكن الكومباوند. انضم لنا فيه مزيد من الأصدقاء.
لحد كده كويس؟ طيب
على الساعة تسعة كده كان الكلام بيني وبين أصدقائي خلص، والناموس ابتدي يلسع (لإنه ما بيعرفش الأغنيا من الفقرا)… والمزيكة ابتدت تعلا وانا بيني وبينكم ماليش في الدوشه قوي.
حاولت الاتصال بتاكسي من أي نوع إلا أن الأمر لم يتيسر، أقرب سيارة أجرة كانت تبعد عنا بنحو ساعة ونصف.
تصورت أن انتظار تاكسي على البوابة أو في الطريق خارج الكومباوند ممكن، وقررت مغادرة المكان. حذرني الأصدقاء من أن العثور على تاكسي في هذا المكان وفي ذلك الوقت يعتبر من رابع المستحيلات، ففقراء هذا المكان لديهم سيارات (وليس سيارة) إن لم يكن لديهم سائق أو أكثر، وعربات الأجرة يندر أن تدخل إليه أو تخرج منه.
ونظرا لفقر الخيال وقلة الفطنة، تصورت أن الأمر لا يعدو أن يكون مبالغة وتوكلت على الله ومشيئته.
مشيت ما يقرب من ربع الساعة وسط بيوت فاخرة وطرقات مقفرة، حتى وصلت إلى البوابة الفارهة. نظر الحارس إلي في فضول، وزاد عجبه عندما أخبرته أنني في انتظار تاكسي فأفهمني الرجل بلطف بأن الفكرة مستبعدة.
رميت النظر فوجدت اتوبيسا يقف على مبعدة منا في ميدان صغير، داخل الكومباوند المترامي الأطراف، وقد التف حوله عمال النظافة بزي مهندم، تزينة علامة ارتسمت شبيهتها على جدار الباص المنتظر.
وسط نظرات الاستغراب من هذا “البيه اللي ماشي على رجله” (وهو ما الاسم الذي أطلقه عليه أحدهم هامسا في أذن زميله)، اقتربت منهم وقلت.
– ساموا عليكو… والنبي ياجدعان ما حدش يعرف الاقي اتوبيس واللا تاكسي واللا ميكروباص فين؟
مسحوني بنظرة سريعة، وقال أحدهم وهو يشير لسائق الباص: اسأل عم احمد..
سألني عم احمد في طيبة عن وجهتي فأخبرته.. “اركب يا بيه اركب” قالها في أدب وحنو.
اتخذت مكاني في الباص بالقرب منه. توقفنا بضع مرات في الطريق ليلتقط عمالا كانوا يعرفون بعضهم بالإسم.
يصعد كل واحد منهم بضع درجات إلى داخل الأتوبيس، ثم يرمقني في فضول وينضم إلى زملائه.
نصف ساعة تقريبا قضيتها وسط بحيرة من الطيبة الآسرة. خليط من اللهجات المصرية لا علاقة لها بكلام أهل القاهرة أو الإسكندرية. منصوريين ودمايطة ورجال من أهل الصعيد، فرقتهم لقمة العيش واحتوتهم مشروعات النظافة التي تخدم على أغنياء العاصمة.
فكرت أكثر من مرة في أن أتجاذب أطراف الحديث معهم. لكنني ولسبب ما أحسست بالخجل منهم. فكرت مرة أن أخبرهم أن أسألهم عن رأيهم فيما تنشره الصحف ويبثه التليفزيون، وهو ما أفعله كثيرا مع سائقي التاكسي، ولكنني ترددت. ربما يظنون أنني أسخر منهم ومن معاناتهم. فعلى الأرجح لا يجد الواحد منهم وقتا لكي يشاهد التليفزيون. يعودون منهكين لتناول طعام العشاء ثم ينامون حتى الصباح ليبدأوا دورة عمل جديدة.
استيقظت من تأملاتي “البورجوازية” وهمومي الصغيرة على صوت عم أحمد الطيب: بص يا بيه عند الميدان ديه تلاجي ميكروباصات ميدان لبنان.
تركت السيارة وعلى فمي ابتسامة اجتهدت في تتسع بقدر طاقتي. شكرته وصحت في العربة:
– ساموعليكو أرجاله..
ابتسم البعض وضحك البعض الآخر..
أضواء الميدان الصغير كانت صفراء وخافتة، ولم يكن فيه من البشر كثيرون. وصل إلى الميدان ميكروباص صغير ودار دورة كاملة حوله ثم وقف أمامي. فتح السائق بابه بسرعة وقفز من العربة، وهرول إلى الناحية الأخرى حيث أقف. فتح الباب فتقدمت ظنا مني بأنني اتمتع بخدمة “ليموزين” في شكل ميكرباص. اعترض طريقي السائق العشريني قائلا.. استنى يا بيه..
اخرج هاتفه المحمول وحوله إلى كشاف صغير وانهمك في البحث عن شيء ما يبدو ان سقط بين حشيات الكراسي في الجزء الأمامي من العربية.
– وقع منك حاجة؟ سألته
– امال يعني باتعايق بالموبايل؟ رد في سخرية
– فلوس؟
– لأ
– موبايل؟
– يا عم احنا لاقيين ناكل اما هامشي ومعاين موبايلين؟
– محفظة؟
– وهي لو محفظة هاولع لها الكشاف؟
ادهشتني عبارته الأخيرة، ولم افهم السبب في أن المحفظة قد لا تحتاج كشافا.. ربما يقصد أن ما سقط منه شيئ صغير الحجم!
قرر محمود، وهو اسمه كما عرفت فيما بعد، ان يقتل فضولي فقال: حتة حشيش يا سيدي.. استريحت؟ أنا مش فارق معايا الحتة.. في ستين داهية الصراحة.. بس انا مش عايز حد يضايقني لو وقفنا في لجنة واللا حاجة وحد لقاها.. كلهم حشاشين ولاد وسخة بس تيجي عالغلبان اللي زي حالاتي وتبقى جناية. تسدق بالله.. مرة لقوا معايا حتة خدوا نصها وحرزوني بالباقي… بيني وبينك انا قلت مصلحة.. كل ما يقل الحرز كل ما يكون احسن… مد ايدك يا بيه كده من عندك.. حدقت في اركان الكابينة الأمامية..
هي السلوفانة دي يا اسطى؟..
– لا يا بيه
– هي كانت ملفوفة في سلوفان واللا سايبه؟
– يا بيه هو المسطول بيعرف الفرق
اركب اركب خلاص.. ربك مش قاسمهالنا الليله دي..
ركبت بجواره في الكابينة الأمامية..
انتظرنا قليلا أملا في أن يلحق بنا بعض الركاب في هذه الساعة. لم يفلح محمود في ان يجتذب إلى الميكروباص عددا كافيا من الزبائن. امتلأ أقل من نصفه. لم ألمح منهم إلا فتاة مليحة الوجه ترتدي حجابا ويلفها جلباب ضيق يبرز مفاتنها. خطت نحونا في تؤدة لتسأل في خجل “ميدان لبنان؟”.. أيوه يا ست الكل.. اجاب محمود دون أن يرفع عينيه…
عادت من حيث جاءت بنفس التؤدة وكأنها تخشى ان تبرز الهرولة مزيدا من مفاتنها ثم ظهرت في صحبة منتقبة وطفل وامرأة مسنة. بعدهم انضم إلينا ركاب متفرقون، وزوج وزوجته يبدو كما لو انهما على حافة الجنون.
انطلق الميكروباص وبدأ محمود في جمع الأجرة. الطريق طويلة إلى ميدان لبنان والأجرة  جنيهان ونصف الجنيه. ربما كان هذا واحدا على المئة من تكلفة ما شربته مع الأصدقاء في بيفرلي هيلز. ناولت السائق خمسة جنيهات. جمعها مع ما يجمع من الركاب وبدأ عملية معقدة لتوفيق المصالح.
“حضرتك كده ليك اتنين جنيه ونص، حد معاه نص جنيه، بص حضرتك، اديله النص جنيه اللي معاك، وحضرتك معاك تلاتنفار وباقي العشرين، يبقى بص، الأستاذ اللي في الآخر يديك اجرته، وانت استناني لحد الآخر، والأخ اللي عند الشباك عندي ليك اتنين جنيه”.
فكرت في التغاضي عن باقي الجنيهات الخمسة. آخذ محمود يرمقني بحذر. أحسست بالحرج ووجدتني مدفوعا للسؤال: أنا لي باقي يا محمود؟ أجاب: أيوه يابيه، معايا اتنين جنيه بس مافيش معايا انصاص.
– ولا يهمك، هاتهم ونبقى خالصين.
ناولني محمود الجنيهين وانشغل في حوارات جانبية قبل أن يقف على جانب الطريق ليركب معنا رجل وسيدتان. دخلوا جميعا في نهاية العربة.
– الأجرة كام يا اسطى؟
– اكنين ونص
– اكنين بس
– ياعم الناس كالها دافعة الأجرة اكنين ونص..
لم تمر دقائق إلا وعلا صوت السائق والراكب وتداخلت العبارات. فرق الأجرة المتنازع عليه خمسون قرشا. نصف جنيه لم يعد يشترى اكثر من بعض أعواد الثقاب الرديئة، أو قطعة من لبان رخيص. نصف الجنيه صارت قيمته أقل من قيمة نصف القرش كما عرفناه من ثلاثة عقود.
افقت على صوت قطع النقد ترتطم بقاع علبة وضعها السائق بجانبه، قذفها محمود بحدة وهو يصيح:
– مش هي دي فلوسك؟ مش هي دي؟ خلاص يا عم خليها علي انا. على النعمة من نعمة ربي القرش اللي مش مرضي عنه بيروح ما بيقول راجعين. اسأل الأستاذ أدينا لسة “موقعين” حتة حشيش بخمسين جنيه. يا نهار ابيض يا جدعان، خمسين قرش هانعمل عليها حوارات!
اصابتني كلمة “موقعين” بقشعريرة.. هكذا اصبحت شريكا في الحيازة.
قطع محمود كلامه فجأة ونظر إلى ثم مد يده في العلبة. النص جنية بتاعك يا بيه.
شكرا يا محمود، ما انا قلتلك خالصين.
– يا بيه حقك يا بيه
– ياسيدي انا مسامح
ابتسم محمود ثم مد يده نحو علبة السجائر. طب مد إيدك وخد سيجارة معايا يا بيه. ما تكسفنيش.
نظرت نحوه، رأيت في عينيه رجاء من نوع ما، رغبة في أن نصبح أصدقاء ولو لبضع دقائق. مددت يدي واخذت السيجارة.
– أولع لك؟
اجبته: شكرا وامسكت لساني قبل أن أقول: أصلى ما بدخنش.. عدلتها وقلت: اصلي لسه شارب.. هاولعها بعدين.
وصلنا ميدان لبنان، غادرت الميكروباص ورفعت صوتي: ساموعليكو…
كان الكل قد غادر العربة. ابتسم محمود وقال مع السلامة يا بيه.. التفت فوجدته الموبايل قد استحال مصباحا ومحمود انهمك مرة أخرى في فحص فرش السيارة واسفل المقعد. لمحني وقال ضاحكا: نصيبك محفوظ يابيه والنعمة بس نلاقيها، ثم اختفي داخل الميكروباص باحثا عن قطعة الحشيش.
على مقربة منه وقفت عربة أخرى ارتكن عليها تباعها، بانت عليه علامات الإرهاق وفوق أذنه اندست سيجارة مجعدة. مددت له يدي بالسيجارة التي احملها: دي للودن التانية.
اتسعت ابتسامته وتناولها شاكرا: من يد ما نعدمها

Hosam El Sokkari حسام السكري

أبلة عنايات وأنا

أجلس فى نهاية الفصل. أمسك كراسة الحساب وأفتحها بيدين مرتعشتين. مساحة الصفحات البيضاء تقسمها خطوط زرقاء باهتة إلى مربعات كبيرة. تتراص الأرقام التى كتبتها كبيرة واضحة. تقترب أبلة عنايات، وفجأة تصفعنى على وجهى وتصرخ باستنكار: «حد يكتب الأرقام على السطر؟ الأرقام بتتكتب فى وسط المربع يا حمار». تستدير وتعود إلى مقدمة الفصل. أتساءل فى نفسى: «وكيف لى أن أعرف؟ لم يخبرنى أحد». أخاف أن تسمع أفكارى فأتوقف. تسيل الدموع على خدى فى صمت.

فى المنزل. أجلس أمام كراسة الواجب. أتذكر أبلة عنايات وهى تقول بصوت عال: «حسن خطك انت وهو». أخرج المبراة. أبرى قلمى الرصاص. أشك خدى. أشعر بوخزة وألم خفيفين. أطمئن وأعاود الكتابة بخط دقيق. فى الفصل أفتح كراستى وأضعها على الدرج. تمر فتاتان صبوحتان طلبت منهما المدرسة اختيار كراسات المجيدين لعرضها عليها. تنظر فتاة إلى كراستى. تندهش من دقة الخط. تنادى زميلتها فى انبهار. تبتسم الفتاتان وتحمل إحداهما الكراسة بأناملها الرقيقة. تدخل أبلة عنايات إلى الفصل. تجرى الفتاة نحوها. «أبلة.. أبلة.. بصى الكراسة دى». تقلب المدرسة الصفحات وهى تسأل: «كراسة مين دى؟» ترد الفتاة: «حسام يا أبلة». تمسك المدرسة الكراسة بحسم وتطيح بها بكل قوة فى اتجاهى. تصفع الكراسة وجهى ثم تسقط على الأرض. انحنى لأرفعها. أجلس فى صمت.

«أحب أبلة عنايات» جلست فى المنزل أكتب الجملة. أكرر كتابتها مرة بعد مرة وأنا أقاوم النعاس. جفونى تتراخى رغما عنى. تمر أختى عزة التى تكبرنى بخمس سنوات وتقول: «ده كتير قوى. هتكتبها كام مرة؟».. أجيب: «مئة مرة». تسحب الكراسة من بين يدى وتبدأ فى كتابة الواجب عنى. أروح فى النوم بينما هى تكتب فى همة.

«تعال هنا وهات كراستك».. أخرج متثاقلا بين الدكك. أقف إلى جوارها فى رعب. تمسك الكراسة. تدخل مدرسة أخرى من فصل مجاور. تلمحنى واقفا وتبتسم «أمور قوى الواد ده». أبلة عنايات لا تعقب. تتبادل معها الحديث. تفاجئنى بصفعة على وجهى دون أن تفتح الكراسة. يداهمنى شعور مفاجيء بالذعر. أعجز عن مقاومة الرغبة فى التبول. يسيل. أشعر بحرارة حارقة على ساقى. تنظر المدرسة الزائرة إلى صديقتها فى دهشة «ليه كده؟». أسمع صوتا حاسما وآمرا. «امش ارجع الدكة بتاعتك».

الصباح. ميعاد المدرسة. أرتعش وأتصبب عرقا. تقترب والدتى وتحتضننى فى حنان. تضع يدها على جبهتى. أشعر بخشونة حانية. «مالك يا حبيبى؟» غصة فى حلقى تعجزنى عن الكلام. تكرر سؤالها. «مش عاوز تقول لى؟» تسيل دموعى وتخرج الكلمات من بين شفتى خفيضة. «أبلة عنايات بتضربنى». دموعى تسيل. أخاف أن تسمعنى أبلة عنايات. أخاف أن تعرف أننى بحت. الكبار يعرفون كل شيء.

تمر الدقائق ثقيلة فى الفصل. يطل وجه طفلة من فرجة الباب «أبلة الناظرة عايزة حسام السكرى». ينقبض قلبى وأنا أسمع صراخ أبلة عنايات: «امشى روح للناظرة.. شوف عملت إيه».

خرجت إلى الحوش الرملى الواسع. أظافرى كانت مقصوصة وحذائى كان مدهونا. هل كان هذا كافيا لكى لا يضربنى أحد؟ تساءلت: هل تصفعنى الناظرة؟ وإذا فعلت هل سيكون هذا بشكل مباغت كما كانت تفعل أبلة عنايات؟ ارتجفت وانا أخطو إلى المكتب حيث كانت تنتظرنى مفاجأة.. أمى!

أجلستنى الناظرة فى مواجهتها وبدأت حوارا وديا تطور فجأة: أبلة عنايات عاملة معاك إيه؟ ــ كويسة ــ بتحبها؟ ــ آه ــ أبلة عنايات بتضربك؟.. صمت.. ذعر.. كشف السر. تماسكت وأجبت ــ لأ ــ بس ماما بتقول إن أبلة عنايات بتضربك ــ لأ ما بتضربنيش. أمى تتدخل: إنت قلت إنها بتضربك ــ لأ ما قلتش.
تجاهلت الحيرة التى علت وجهها وخرجت عائدا لفصلى.

فى المنزل استقبلتنى أمى على الباب متسائلة: كذبت علىَّ؟ ــ لم أكذب ــ أبلة عنايات بتضربك واللا لأ؟ ــ بتضربنى ــ ما قلتش كده ليه قدام الناظرة؟
غمرنى الخوف. لم أنطق. أخذتنى فى حضنها. قلت بصوت مختنق: «بعد ما اقول للناظرة كنتى هتسيبينى معاهم وتروحى».. بكيت.. كيف كان لأمى أن تفعل هذا بى؟!

فى اليوم التالى، مضت الحصة الأولى بسلام وبدا أن أبلة عنايات تتجاهلنى. دخل رسول إلى الفصل ينادى: حسام السكرى يروح لأبلة الناظرة وياخد حاجته معاه. جمعت أدواتى وحقيبتى وذهبت لأجد والدى فى حلته العسكرية. ناولته المديرة ملفا أزرق. نظر فى محتوياته ثم أخذه فى صمت. مد يده إلىَّ فضاعت راحتى فى قبضته. خطونا خارج المكتب. ألقيت نظرة على الشجرة ذات الأزهار الحمراء. جلس أبى إلى جوار سائق سيارته وأنا إلى جواره. عدنا إلى المنزل ثم انطلق هو إلى عمله.

كنت سعيدا. عرفت أننى لن أشاهد أبلة عنايات مرة أخرى طوال حياتى. لن أكتب «أحب أبلة عنايات» مئة مرة. لن تفاجئنى بصفعاتها المفاجئة.

فى المساء أخذت مخدتى الصغيرة. دخلت غرفة نوم والدىَّ. تسلقت الصندوق الحديد المجاور لسريرهما، ثم تسللت بينهما. كان أبى نائما على جنبه. وضعت مخدتى على المخدة العريضة التى كان ينام عليها. استلقيت بجواره ووضعت كفى الصغيرة على صدغه. كنت دائما استمتع بلمسة ذقنه الخشنة. ورحت فى النوم.

فى الصباح أخذتنى أمى إلى مدرسة فاطمة النبوية الابتدائية المشتركة التى تتردد عليها أختاى الأكبر منى هالة وعزة.

أذكر الحيرة واليأس الآن علا وجه أمى. كانت أبلة إحسان تقول لها: ما كانش لازم تخرجيه من هناك. احنا معندناش مكان. أنا عارفة إن اخواته هنا، بس احنا ما بناخدش ولاد خلاص. هنقلبها بنات بس. جربى فى مدرسة عثمان بن عفان اللى قصادنا.

أسقط فى يد أمى. تأهبت لمغادرة المكتب. نظرت إلى ناظرة المدرسة فى يأس ثم ندت عن شفتيها عبارة مترددة. قالتها بشكل عفوى ولكنها كانت كافية لتغيير الموازين وتحويل مجرى حياتى..

«بس ده بيعرف يقرا» .. قالتها بصوت خفيض. صمتت الناظرة لوهلة ثم استوقفتها: يعنى إيه بيعرف يقرا؟ ده لسه داخل سنة أولى! أدركت أمى أنها لمست وترا ما دون أن تدرى. «والله بيعرف يقرا ومش زى العيال الصغيرة. اخواته كانوا بيقروا له كتير وهو اتعلم لوحده».

رمقتنى المديرة بنظرة شك وطلبت منى أن أقرأ لافتة من بين ستة لافتات عليها قطوف من الحكم والأقوال المأثورة، كانت تزين جدران مكتبها. قرأت إحداها بطلاقة، فاختارت الناظرة لافتة أخرى، ثم أخرى. كلما قرأت واحدة كانت نظرتها تتغير. فى غضون دقائق كان الشك والريبة قد اختفيا تماما وحلت محلهما نظرة إعجاب. نسيت المديرة وجود أمى تماما. نهضت فجأة من خلف مكتبها وانتزعتنى من الكرسى. خرجنا إلى الردهة المفضية إلى حجرتها، ثم إلى الممر المكشوف الذى تراصت على جانبه فصول الصف الأول. كانت تجرى، وأنا أحاول مجاراة سرعتها، وأمى تحاول اللحاق بنا.

ارتفع صوتها: أبله سعاد.. يا أبله سعاد. خرجت أبلة سعاد من فصل أولى تانى فى نهاية الممر. شعرها أسود قصير، أكمامها مشمرة وفى إصبعها قطعة من الطباشير المربع الذى كانت تفضله على «طباشير الحكومة». ارتفع حاجباها دهشة. قالت لها الناظرة: الولد ده بيعرف يقرا أحسن من بتوع سنة سادسة! ثم انتبهت إلى أمى التى كانت قد أدركتها للتو. نظرت لها باسمة: هندخله فصل ولاد الأبلوات. أبله سعاد هلال أحسن مدرسة عندنا. التفتت إلى الناظرة وقالت: ادخل فصلك عند أبله سعاد يا حسام.

خطوت إلى الداخل فى وجل. لست معتادا على الاحتفاء. أكثر من مئة عين تحدق فى. خطوت بين الصفوف متجها إلى دكة فى آخر الفصل. نادتنى أبله سعاد: حسام.. تعال. تجمد الدم فى عروقى. عدت أدراجى واقتربت منها فى وجل. هل ارتكبت خطأ ما؟ تحركت يدها اليمنى. تسمرت عيناى على راحتها. ترى هل تصفعنى؟ استقرت يدها على شعرى فى حنو، ثم احتضنت وجهى بكفيها وقالت: أنا عاوزاك تقعد قدامى.. جنب ولاء.

التفت خلفى فوجدت طفلا يجلس وحيدا على درج فى مقدمة الفصل. اتسعت ابتسامته وبدا عليه زهو واضح وأنا أخطو لأجلس بجواره.

جلست مترددا بجواره. أخرج ولاء يده من جيب مريلته البنية، ودس شيئا ما فى يدى. فتحت كفى فوجدت قطعة عملة صغيرة حمراء متعرجة الحواف. خمسة مليمات سودانية، ومعها قطعة من البلاستك الأسود بدت لى وكأنها درع منيع لفارس شديد الصغر. بنبرة توحى بالأهمية قال ولاء: «ممكن اديهملك هدية؟ بابا جابهملى من السودان». ثم أضاف بعد لحظة صمت: الله يرحمه. احتضنت كفه الصغيرة يدى وضغط عليها قائلا: هاتبقى صاحبى مش كده؟ ابتسمت وهززت رأسى مؤمنا، وضغطت على يده. فى فصل أبله عنايات لم يكن لدى أصدقاء.

bit.ly/shsok

When I die.. عندما أموت ..

عندما يتحدث مولانا ينصت الكون
عن رحلتي يكتب كلماته

When I die,
when my coffin
is being taken out,
you must never think
I am missing this world.

Don’t shed any tears,
don’t lament or
feel sorry
I’m not falling
into a monster’s abyss.

When you see
my corpse is being carried,
don’t cry for my leaving
I’m not leaving,
I’m arriving at eternal love.

When you leave me
in the grave,
don’t say goodbye.
Remember a grave is
only a curtain
for the paradise behind.

You’ll only see me
descending into a grave.
Now watch me rise
how can there be an end
when the sun sets or
the moon goes down.

It looks like the end
it seems like a sunset,
but in reality it is a dawn
when the grave locks you up
that is when your soul is freed.

Have you ever seen
a seed fallen to earth
not rise with a new life?
Why should you doubt the rise
of a seed named human?

Have you ever seen
a bucket lowered into a well
coming back empty?
Why lament for a soul
when it can come back
like Joseph from the well.

When for the last time
you close your mouth,
your words and soul
will belong to the world of
no place no time.

Rumi

مولانا جلال الدين الرومي